يميل علم الفلك المعاصر إلى الظن بأن المجرات هي نثار ناتج عن انفجار كبير انطلق في الفضاء الواسع وما زال يتابع حركته حتى الآن.
يتشابه الطيف الشامل للمجرة مع طيف كل نجمة من النجوم المكونة لها ومع ذلك فإن لكل منها بعض الملامح المميزة، ومنن الملاحظ أن جميع المجرات باستثناء المجرات الأقرب إلينا المعروفة باسم < المجموعة المحلية > يزداد لونها إحمرارا. هذا يعني أن هذه المجرات آخذة بالابتعاد عنا وأن الكون في حال تمدد واتساع.
كما دلت عمليات الرصد أن ميل المجرات الأكثر ابتعادا عنا نحو الاحمرار أسرع وثيرة من تلك الأكثر قربا منا، مما يثبت أنها تبتعد بسرعة أكبر. كان الفلكي الأمريكي أدوين هوبل أول من أشار إلى العلاقة القائمة ما بين المسافة وسرعة الانكماش.
نظرية البيغ ـ بانغ :
هناك عدد هائل من النظريات التي حاولت تبيان نشأة الكون. ظهرت فكرة انفجار أساسي لأول مرة عام 1927 على يد رياضي بلجيكي هو الآباتي جورج ليميتر. سرعان ما تلقفها عدد من علماء الفلك ونسبوها لأنفسهم وعملوا فيها زيادة وشرحا لتصبح ما عرف فيما بعد بنظرية < البيغ ـ بانغ > أو الإنفجار الكبير إذا صح التعبير. عام 1946 نادى جورج غامو بفرضية مفادها أن جميع العناصر الكيميائية تكونت من الهيدروجين في الدقائق الأولى التي تلت الانفجار الأساسي.
عام 1965 م امتشف العالمان آرتو بانزياس وروبرت ولسن ما يثبت أن لحظة بدء تكون الكون كانت تمتاز بدرحة حرارة هائلة الارتفاع إضافة إلى كثافة هائلة هي الأخرى. في محاولة منهما لتحيد مصدر بث لاسلكي قادم من خارج مجرتنا التقطا بثا مستمرا يخترق الفضاء : لاحظا إمكانية التقاطه بصرف النظر عن الوجهة التي يعطيانها للهوائي الخاص المستخدم في التجربة. يظن الكثيرون في أيامنا هذه أنها بقايا إشعاعات كونية ناجمة عن البيغ ـ بانغ أو الانفجار الكبير.
الكازار :
في بداية الستسنات كثف البحث عن النجوم البعيدة وجود أجسام دلت الموجودات الاسلكية الصادرة عنها أنها بعيدة جدا عن كوكبنا. محاولة تحديد هويتها بالاستناد إلى المعطيات البصرية ومقارنة تلك المعطيات مع الصور الفوتوغرافية التي التقطها تيليسكوب جبل بالومار دفع بالعديد باديء الأمر إلى الظن بأن القضية هي قضية نجوم تشكل جزءا من مجرتنا. ولكن عندما جرى تحليل طيف هذه الأجسام لوحظ أنها تميل بشدة إلى الإحمرار. أثبتت دراسة معمقة لطيف أجسام تنتمي إلى النوع نفسه إننا إزاء نوع مختلف تماما من الأجسام سرعة انكماش الكثير منها تصل إلى نصف سرعة الضوء !.
دعيت هذه الأجسام باسم الكزار. بالاستناد إلى العلاقة سرعة الانكماش ـ المسافة التي تطبق على المجرات، يعتبر غالبية المنظرين أن هذه الأجسام تقع على مسافة هائلة من عالمنا. إنها الأجسام الأكثر توهجا في الكون. رغم بعدها الهائل هذافهي تتمير بمرتبة عظيمة عالية نسبيا، يصدر عن بعضها نور يزيد عن النور الذي يصدر عن مجرتنا مجتمعة ! وع ذلك فقد أثبتت عمليات الرصد أن قطرها متواضع جدا ـ أقل من سنة ضوئية واحدة. كيف تتوصل هذه الأجسام إلى بث كل تلك الطاقة ؟ هنا تتضارب الفرضيات. أغلب الظن أن هذه الكازارات هي نوى مجرات ناشطة، كما يحتمل أنها تتغذى بالطاقة عبر الثقوب السوداء.
أبعد كازار معروف في أيامنا هو صاحب الرقم 26 ـ 000 الواقع ما بين الحوت والنحات. تبلغ مرتبة عظمة هذا الكازار 17،5 ، صدر الضوء عن هذا الجسم عندما لم يكن للكون من العمر سوى ما يقرب من 10 بالمئة من عمره الحالي. تحدث دراسة هذا الكازار أو ما هو أبعد منه دوارا زمنيا يرجع بنا إلى ما يقرب من ملياري سنة تلت البيغ ـ بانغ.
بقي أن نذكر أن لهذا النوع من الدراسة حدودا معينة لا يتخطاها. الكازار 26 ـ 000 يبتعد عنا بسرعة تصل إلى 93 بالمئة من سرعة الضوء. ونحن نعلم أنه في اللحظة التي يبلغ سرعة شيء ما سرعة الضوء ينفذ من إطار الكون المرئي ويتعذر علينا بالتالي إمكان رؤيته وإلى الأبد !.
مصير الكون :
المقبول اليوم هو أن الكون خاضع لنظام تذبذبي اهتزازي. والتمدد والاتساع الذي تعايشه في أيامنا لا بد له أن يتوقف ذات يوم لينهار الكون على نفسه عنذ ذلك.
ينتج عن هذا التقلص بيغ ـ بانغ أو انفجار كبير جديد، يليه تمدد جديد. بحسب هذه النظرية تبدأ الدورة مرة كل 80 مليار سنة.
الفجوة الوحيدة الأساسية في هذه النظرية أنه لا بد من قوة جاذبة قادرة على إيقاف سير المجرات وبالتالي وضع حد لحركة التمدد والاتساع. ونحن نعلم أن متوسط كثافة المادة في الكون لا يمنحها القوة الكافية لتولد الجاذبية المطلوبة.
لكن العديد من علماء الفلك يعتقدون أن كميات هائلة من مادة غير مرئية منتشرة في الفضاء وأننا حتى الآن نقف عاجزين عن معرفتها واكتشافها. إذا كانت تلك الكمية من تلك المادة موجودة فعلا فمن المحتمل عندها أن تكون الغلبة في نهاية المطاف للجاذبية التي تستطيع عندها وضع حد لتمدد الكون.
0 التعليقات:
إرسال تعليق