إن رؤية مذنب يجوب السماء على شاكلة كتلة نارية تسحب وراءها ذيلا من الشرر منظر معجب فعلا رغم أن الأمر كله يدور حول كوكب صغير ذي ذنب يتكون من غاز وغبار طالما أثار ظهوره الذعر والهلع لدى الشعوب البدائية. بل أكثر من ذلك، وفي أيامنا هذه، لا يزال ظهور مذنب ما مصدر تطير وأوهام لدى العديد من سكان الأرض بمن في ذلك بعض سكان المدن الكبرى.
أصل المذنبات :
حسب الفرضية المعتمدة أو الأكثر رواجا في أيامنا هذه، يتوجب علينا أن نبحث عن مصدر المذنبات في غيمة هائلة مكونة من مواد بدائية تقع فيما وراء مدار بلوتو والتي تمتد مساف سنتين ضوئيتين. كان الفلكي الهولندي جان أورت أول من اشار إلى وجود هذه الغيمو وذلم عام 1950 م مرجحا أنها مكونة من ذرات تناثرت في الجو مصدرها كواكب في طور التكوين. يميل الفلكيين إلى الاعتقاد أن غيمة أورت تحيط بكامل النظام الشمسي وأن المذنبات تنطلق منها. وبما أننا نكتشف في كل سنة دزينة من المذنبات الجديدة بات بمقدورنا الافتراض أن لدى غيمة أورت احتياطيا هائلا من المواد المخزنة.
أما سبب قذف هذه الغيمة لشيء من مخزونها فهو ناتج بدون شك عن جاذبية نجمة عابرة للسبيل. ينطلق بعض هذه المقذوفات بسرعو هائلة، بينما ينطلق القسم الأكبر منها ببطء نحو داخل النظام الشمسي قبل أن تزداد سرعته شيئا فشيئا.
تركيب المذنب :
يسخن الكوكب لدى إقترابه من الشمس وتتبخر مكوناته الجليدية. تتكون عندها غيمة واسعة من الغاز والغبار حول ما سيغدو فيما بعد نواة المذنب. كلما ازداد اقتراب المذنب من نقطة الرأس ( أقرب نقطة من فلك سيار أو مذنب إلى الشمس ) كلما ازداد تأثرا بالرياح الشمسية وبالضغط الذي يتعرض له من الأشعة الشمسية.
عند ذلك تنطلق المادة من رأس المذنب في اتجاه مغاير لإتجاه الشمس مما يمنحه ذنبين يتكون أحدهما من ذرات مؤينة ( ذرات فقدت واحدة أو أكثر من اليكترونياتها ) ويتكون الآخر من الغبار.
عنصر آخر لا يرى من الأرض. إنه تلك الكمية الهائلة من الهيدروجين التي يبلغ قطرها ملايين الكيلومترات والتي تحيط بنواة المذنب. مصدر هذا الغطاء الغاز المتصاعد من تحليل ذرات الماء لدى تبخر جزيئات المذنب الجليذية بفعل الطاقة الشمسية.
عندما يأخذ المذنب بالابتعاد عن الشمس يبدأ ذنبه بالتلاشي شيئا فشيئا. ثم يأخذ المذنب هو الآخر بالتلاشي ليبقى منه في نهاية المطاف نواته الجليدية التي تتابع رحلتها وحيدة.
قد يحدث أن يعود المذنب إلى غيمة أورت بعد اقترابه من الشمس، كما قد يحدث أن يتخذ لنفسه مدارا معينا إثر إقترابه من كوكب ما وعندها يتكرر ظهوره في جوارنا بانتظام.
مدار المذنبات :
يفقد المذنب بعضا من حجمه في كل مرة يجتاز فيه الطبقات السفلى للنظام الشمسي. لهذا يتحول شكل الذنبات ذات الدورة القصيرة بسرعة بحيث تصعب رؤيتها حتى بواسطة التليسكوب. هذه هي حال العديد من المذنبات ذات الدورة القصيرة بسرعة بحيث تصعب رؤيتها حتى بواسطة التليسكوب. هذه هي حال العديد من المذنبات من مثل مذنب اينك الذي كان يرى بوضوح تام عندما شوهد لأول مرة منذ حوالي 200 سنة. ولكن بسبب قصر دورته المحورية ( 3،3 سنة ) فهو يتعرض باستمرار لحاجز الطاقة الشمسية ويفقد كثيرا من المذة المكونة له التي تتناثر في الفضاء.
من بين جميع المذنبات المعروفة لنا مذنب اينك هو صاحب أقصر دورة محورية. من المذنبات التي تنتمي إلى الطراز نفسه يمكن أن نذكر مذنب تامبل 2 ( 5،3 سنوات ) ومذنب ويرتانن ( 5،9 سنوات ). ( يحما اسم المذنب في الغالب اسم الفلكي الذي اكتشفه، لكنه قد يحمل أحيانا اسم الفلكي أو الرياضي الذي حسب المدة التي يستغرقها للقيام بدورة محورية كاملة ).
لبعض المذنبات محاور أطول من هذا بكثير وتعيش بالتالي مدة أطول مثل المذنب هالي ( 76 سنة ) الذي ورد ذكره منذ القدم وكان ظهوره الأخير عند نقطة االرأس عام 1986 م.
بقي أن نذكر أن لبعض المذنبات مدارا طويلا. بحيث يتعدر احتسابه بدقة يفاجيء ظهورهما الفلكيين. هذه كانت حالهم مع المذنب < داي لايت > الذي ظهر عام 1910 م ( يجب أن لا نخلط بين ظهور هذا الذنب وظهور المذنب هالي الذي الذي ظهر هو الآخر في وقت لاحق من السنة نفسها ) وهو المذنب الأكثر توهجا وإشراقا الذي رصد منذ بداية هذا القرن.
مذنبات تتلاشى وتختفي :
قد يحدث أحيانا أن يفقد مذنب مادته بسرعة في حال اقترابه الشديد من سطح الشمس. عندما يتفتت على هذه الشاكلة ينعت هذا المذنب بـ<ممسوح الشمس >. أفضل مثال يبين كيفية تدمير الشمس لمذنب هو المصير الذي لقيه مذنب بيييلا الذي شوهد يتطاير منفجرا إلى قسمين عام 1846 م. شوهد هذان القسمان مرة ثانية عام 1852م، ولكن لم يرهما أحد بعد ذلك على الإطلاق. عام 1872 م، السنة التي كان يتوقع فيها ظهورهما من جديد تم رصد مطر نيزكي ( رجم، نشاب، تناثر نجمي ) في الموضع المتوقع ظهورهما فيه. الكل يعلم أن الأمطار النيزكية هي حطام المذنبات المندثرة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق